لأنها من محتويات الإسلام ، والإسلام رسالة عالمية كما قلنا و الإسلام يعتمد في جميع أحكامه وتشريعاته , وما يخص الإنسان في معاشه ومعاده على طبيعة الإنسان التي يتساوى فيها جميع البشر .
"ولا يجد الباحث مهما أوتي من مقدرة علمية كبيرة فيما جاء به نبي الإسلام r أي طابع إقليمي،أو صبغة طائفية ،وتلك آية واضحة على أن دعوته دعوة عالمية لا تتحيز إلى فئة معينة ، ولا تنجرف إلى طائفة خاصة " (97).
فالعبادات والمعاملات والأخلاق..الخ , كلها ليس فيها صبغة الطائفية والإقليمية بل تكتسي بالصبغة العالمية ؛لأنها تناسب الإنسان وطبيعته فهي الصالحة له دون سواها.
وكذلك النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقضائي..الخ ,لا تجد في ثنايا أياً منها أي تفكير طائفي أو نـزعة إقليمية .فمثلاً في المعاملات وما يترتب عليها من مقاضاة بين الناس يأمر الله سبحانه وتعالى المسلم أينما وجد زماناً ومكاناً , قائلاً :) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ((98)،بينما نجد غير المسلمين تتجسد الطائفية والنـزاعات العرقية فيهم بوضوح ،فهؤلاء اليهود كما يخبر عنهم الله عز وجل حين يتعاملون مع غير من ينتمي إلى دينهم فيقول عنهم سبحانه وتعالى :) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ((99).
· الوجه الخامس : الإسلام ينبذ أي مقومات للتفرقة بين الناس :
إن أقوى دليل على أن الإسلام رسالة عالمية مكافحته للنـزاعات الإقليمية والطائفية فالإسلام لا يفرق بين أبيض و أسود ولا بين جنس و آخر ، بل ينبذ العنصرية والطائفية ، ويرفض جعلها مقياس للتفاضل في ميزان الإسلام و المقياس الوحيد للتفاضل في الإسلام هو التقوى ، قال تعالى :) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم ((100).
فالإسلام : هو أول من حارب العصبية ودعا إلى الأخوة تحت لواء التوحيد الخالص ومقتضاه الإسلام.
المطلب الثاني : أدلة عالمية الإسلام من السنة النبوية المطهرة
أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم أول ما بعثه أن يصدع بالحق بين عشيرته أولاً ، ثم تتسع دائرة التبليغ والإنذار إلى أن تصل إلى أسماع كل من يستطيع أن يسمعه رسول الله r سواء مباشرة ، أو أن يرسل من ينوب عنه في تبليغ ما جاء به r من ربه سبحانه وتعالى .
النص الأول:ها هو r يخبر قومه قائلاً:" والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة "(101)
النص الثاني : ولتحقيق ما كلف به من تبليغ رسالته جميع الناس أرسل السفراء إلى جميع الأقطار ،(فبعث سفراءه وفي أيدي كل واحد منهم كتاب خاص إلى قيصر الروم ، وكسرى فارس ، وعظيم القبط ، وملك الحبشة ،والحارث بن أبي شمرا الغساني ملك تخوم )(102)وغيرهم ، وما كتاباته r هذه إلى ملوك العالم في عهده إلا دليلاً قاطعاً على عالمية رسالته r .
فهذه رسالته إلى كسرى ملك فارس يقول فيها :
"بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله ، إلى كسرى عظيم فارس : سلام على من اتبع الهدى ... وأدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حياً ، ويحق القول على الكافرين ، اسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس "(103)،وهذا أيضاً ما كتبه إلى قيصر ملك الروم يقول فيه :
" بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بالإسلام اسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين "(104).
النص الثالث : ما روى جابر رضي الله عنه عن رسول الله r أنه قال :"أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أبيض وأسود ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي ، وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة "(105).
النص الرابع : جعله الله رحمة مهداة للعالمين ، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه،أن رسول الله r قال : " أنا رحمة مهداة "(106).
النص الخامس : ثم ما جاء عن كونه سيد الأولين والآخرين فإن فيه دليلاً على عالمية رسالته r فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :" أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (107).
المطلب الثالث : الأدلة على عالمية الرسالة من كتب أهل الكتاب :
أولاً : في كتب العهد القديم (التوراة):
البشارة الأولى : من سفر النبي حجى : بشارة النبي حجى في سفره الوارد بالإصحاح الثاني عدد 7 يقول فيه :" وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم ،فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود".(108)
وفي العدد (9) يقول :"مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود"(109) .
ولفظ ( مشتهى كل الأمم ) لا تعني إلا رسول يأتي وتنتظره كل الأمم وعبر عن ذلك الانتظار بلفظ مشتهى كل الأمم بمعنى أنه يخرج من غير الإسرائيليين كما لا يكون مرسلاً إليهم خاصة بل إلى جميع أمم الأرض لأن هؤلاء الإسرائيليين يذكرون غيرهم من الناس بتعبير الأمم ... وإذا رجعنا إلى الأصل العبراني لكلمة(مشتهى كل الأمم ) نجد أنها ( حمدوت ) الأمم ، أي محمود الأمم ، واسم محمود(110) هو من ضمن أسماء النبي محمد r (111).
ثانياً : الأدلة على عالمية الرسالة من العهد الجديد ( الإنجيل )
البشارة الأولى : من إنجيل يوحنا :
" لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي . ولكن إذا ذهبت أرسله إليكم ، ومتى جاء ذلك يبكّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة . أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين "(119).
قال عيسى u (يبكت العالم) فهذا القول بمنـزلة النص الجلي لمحمد r لأنه وبخ العالم سيما اليهود على عدم إيمانهم بعيسى u توبيخاً لا يشك فيه إلا معاند بحت،وكذلك أنذر ووبخ المنافقين والعصاة في جميع أنحاء العالم .
وقول عيسى u " أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي "وهذا يدل على أن المعزي (المواس ) يكون على منكري عيسىu موبخاً لهم على عدم الإيمان به )(120).
البشارة الثانية : من إنجيل برنابا :
إن إنجيل برنابا قد أعطى أدلة قوية تثبت نبوة محمد r ،ولذلك أصدر البابا (جيلاسيوس ) الأول _ الذي جلس على الأريكة البابوية سنة 492 ميلادية ،أمراً ينهى فيه عن مطالعة إنجيل برنابا، ولذلك رفضه النصارى بلا مبرر (121).
جاء في الفصل السابع عشر من الإنجيل :" ولكن سيأتي بعدي بهاء كل الأنبياء الأطهار فيشرق نوراً على ظلمات سائر ما قال الأنبياء لأنه رسول الله "،أي يبين غامض أقوالهم (122) .
البشارة الثالثة : من إنجيل برنابا :
في الفصل الثالث والأربعين يقول :" الحق أقول لكم إن كل نبي متى جاء فإنه يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه ، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده فيحمل خلاصاً ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه ، وسيأتي بقوة على الظالمين ، ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلاً : انظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض ، وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيماً ، هكذا سيفعل نسلك .
أجاب يعقوب : يا معلم قل لنا بمن صنع هذا العهد ، فإن اليهود يقولون بإسحاق والإسماعيليون يقولون بإسماعيل . أجاب يسوع ابن من كان داود ، من أي ذرية ؟ أجاب يعقوب من إسحاق لأن إسحاق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود ، فحينئذ قال يسوع : ومتى جاء رسول الله فمن نسل من يكون؟، أجاب التلاميذ من داود ، فأجاب يسوع : لا تغشوا أنفسكم لأن داود يدعوه في الروح رباً قائلاً هكذا قال الله لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك ، فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا ابن داود فكيف يسميه داود رباً؟، صدقوني لأني أقول لكم الحق: إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق" (123).
البشارة الرابعة : من إنجيل برنابا
في الفصل الرابع والأربعين يقول " ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه العالم صدقوني إني رأيته وقدمت له الاحترام، ليكن الله معك وليجعلني أهلاً أن أحل سير حذاءك لأني إذا نلت هذا صرت نبياً عظيماً وقدوس الله "(124).
وهذه البشارة تؤكدها الآية الكريمة في قوله تعالى :) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه * قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ((125) .
البشارة الخامسة : من إنجيل برنابا :
في الفصل السادس والتسعين أجاب يسوع :" لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي؛ أني لست فيها مسيا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاً : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض، ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله، فينجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمناً ، حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله ، الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبدد الأصنام وعبدة الأصنام .
وسينـزع من الشيطان سلطته على البشر وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً "(126).